علاء زريفة –رولا سالم
ضمن فعاليات اليوم الثالث من مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، احتضنت قاعة فندق “رويال إم” ندوة فكرية نوعية حملت عنوان “المونودراما: حفريات معرفية”، أدارها الباحث والمخرج د. محمد سمير الخطيب، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والمسرحيين من العالم العربي وأوروبا وأفريقيا.
تناولت الندوة الأسس الفلسفية والجمالية لفن المونودراما، باعتباره أكثر أشكال المسرح فردانية وصدقًا، وأحد أبرز أنماط الأداء التي تختبر العلاقة بين الجسد والنص، وبين الممثل والمتلقي.
وفي مستهل الجلسة، قدّم الدكتور الخطيب قراءة تحليلية في مفهوم “الحفر المعرفي” في البنية المونودرامية، معتبرًا أن هذا الشكل المسرحي ليس مجرد تمرين فردي، بل هو فضاء لتفكيك الذات واستنطاق الآخر، من خلال اقتصاد في الأدوات وانفتاح على التأويل.
من تورينو إلى الفجيرة: التقنية والمسرح
وشكّل حضور الباحث الإيطالي أنطونيو بيتزو من جامعة تورينو محطة بارزة في الندوة، حيث قدّم مداخلة بعنوان “من الجانب البعيد للقمر: أدوات وأساليب المسرح البشري الآلي”، استعرض فيها تجربة الكاتب الكندي روبرت ليباج، ومفهوم “الممثل الوسيط” الذي يجمع بين الجسد الإنساني والتقنية الحديثة على خشبة المسرح.
وأكد بيتزو أن المونودراما في القرن الحادي والعشرين لم تعد مقيدة بحدود الأداء الفردي الكلاسيكي، بل باتت منفتحة على وسائط متعددة تعيد تشكيل المشهدية دون إلغاء الحضور البشري، بل تعميقه.
المونودراما من منظور أنثروبولوجي
من جنوب أفريقيا، قدّم المسرحي كورت إيغلهوف طرحًا فريدًا من نوعه، واصفًا المونودراما بأنها “علم إنسان جديد”، حيث تُجسّد رحلة داخلية لشخصية واحدة تُختزل فيها سيرة جماعية. وأشار إلى أن بطء انتشار هذا الفن في أفريقيا يعود إلى طابعه الفردي، الذي يتعارض مع البنية الثقافية الجماعية للمجتمعات الأفريقية، لكنه يرى فيه أداة واعدة لإعادة قراءة السرد المحلي من منظور الذات الفردية.
تقاطعات الشارع والمونودراما
أما المسرحي طلال أيوب من تونس، فقد ألقى الضوء على العلاقة بين مسرح الشارع والمونودراما، متسائلًا إن كانا يشكلان تجربة عابرة أم مشروعًا لمسرح شعبي معاصر. وأكد أن تداخلهما يولّد شكلاً مرنًا يجمع بين التعبير الفردي والتفاعل الجماهيري، مستشهدًا بتجارب فنية عالمية تكرّس الأداء الجسدي والبساطة بوصفهما أدوات مقاومة فنية.
المونودراما كمساءلة وجودية
ومن لبنان، أكدت الكاتبة مروة فرعوني أن المونودراما ليست فقط أداءً فرديًا، بل فعلٌ وجودي ينفتح على القلق وتشظي الهوية. واعتبرت أن النص المسرحي ليس غاية، بل مدخل إلى مساءلة الذات والآخر، وأن الممثل في المونودراما يتحول إلى وسيط يحمل الذاكرة والصوت في حوار يتجاوز اللغة.
التجريب بين الورشة والنص
من جانبه، حذّر الباحث والمخرج حيدر عبد الله الشطري من العراق من اختزال المونودراما إلى مجرد أداء فردي نابع من ورشات ارتجالية، مشددًا على ضرورة إنتاج نصوص جادة تراعي التكوين الجسدي للممثل، وتمنح المتلقي مكانة الشريك لا المتفرج السلبي. واعتبر أن التجريب يجب أن يتحوّل إلى تراكم معرفي، لا إلى ارتجال متكرر.
وختاماً،قام سعادة محمد سعيد الضنحاني مدير المهرجان بتكريم المشاركين في الندوة التي شهدت الندوة تفاعلًا واسعًا من جمهور الحاضرين، الذين أثاروا أسئلة حول علاقة المونودراما بالمسرح الجماعي، وحدود الجسد الإنساني في عصر الصورة، والرهانات الفلسفية لفن لا يتكئ إلا على ممثل واحد. وخرجت الجلسة بتوصيات تدعو إلى مواصلة البحث والتجريب، وتوسيع الأفق الجمالي لفن المونودراما في العالم العربي وأفريقيا.